Sunday, May 4, 2014

بدايات الأوبرا في ألمانيا

بدايات الأوبرا في ألمانيا
مثلما في إيطاليا وفرنسا التأثيرات الأولى للدراما الموسيقية يمكن ملاحظتها في ألمانيا قبل ميلاد أوبرا عصر النهضة بوقت طويل. في المسرحيات الدينية في العصور الوسطى ومواكب البلاط الملكي والمسرحيات التنكرية والتسلية الشعبية للممثلين كانت هناك دوما فرصة لإدخال اجزاء درامية يمكن إظهارها في الموسيقى. رغم سيادة الغناء الكورالي أيضا يمكن إيجاد الأغاني الشعبية والصولو. ليس ممكن حقا اعتبار هذه السوابق الموسيقية والدرامية المتواضعة كالخطوات الأولى تجاه الأوبرا بما أن اكتشافها دائما ابتكار عصر النهضة الإيطالي. مع ذلك هذه المحاولات الأولى قد تكون أعدت ذوق ومزاج دائرة كبيرة من الناس لتمتع الدراما الموسيقية ومهدت الطريق لهذا الفن الجديد.

الأوبرا الألمانية الأولى كانت عملا أبرز الفنانين البارزين لعصرهما: مارت أوبتز رئيس المدرسة السياسية للشعر، والمؤلف الموسيقي هاينريش شوتز السابق العظيم ليوهان سباستيان باخ.

المناسبة كانت الزواج في أبريل 1627 للأميرة إلى جورج الذي كان شهير بالروعة الخاصة في قلعة تورجاو. ذروة الاحتفالات كانت عرض لإحدى مسرحيات كتبها أوبتز بالألمانية ولحنها شوتز. التراجيدية الكوميديا لدافني، في حين النص وهي معالجة شخصية جدا لقصيدة شهيرة كتبها رينوتشيني بقيت، لكن لم يبقى أثرا للموسيقى. شوتز الذي في دراساته مع جابرييلي في البندقية اصبح مطلعا على الأسلوب المونودي الجديد كان أحد اوائل الموسيقيين الذين قدموها في ألمانيا. حسب الحكم بالروعة الدرامية للفقرات الصولو في عمله "الآلام" الذي استمر يمكن أن يفترض المرء بأمان أن الرسيتاتيف في دافني لابد أنه معبر بقوة أيضا


في حين تتبع دافني بوضوح نموذج المونودي الإيطالي "حكاية الغابة المقدسة سيلويج" لسيجموند ستادن التي عرضت أول مرة في نورمبرج سنة 1644 تمثل محاولة أوبرالية أكثر استقلالا القصيدة لشاعر نورمبرج هارسدورفر، الذي علم بوضوح عن الدراما الموسيقية عند السفر والدراسة في إيطاليا والآن يحاول وضع روح جيرمانية في معالجاته لهذا الشكل الفني. الحبكة الرعوية لهارسدورفر ما زالت تعكس آثار المسرحية الدينية للعصور الوسطى. الحورية سيلويج، تجسيد الروح الخالدة يبحث عنها تروجوالت روح الغابات لكن رعاة الغنم ينقذونها من مطاردة الشيطان. كورس مسرور من الملائكة يختتم الدراما بتقليد الأخلاق المسيحية. ستادن كان عازف أرغن في نورمبرج الذي لم يعرف عمليا شيئا عن الرسيتاتيف الحر وموسيقاه جافة ارتاح من النغمات الشعبية التي أدمجها بنجاح في الاغاني والالحان المتكررة. سيلويج وراعيات الغنم تغني ادوارهم السوبرانو والالتو وروح الغابات مخصصة للباص. التوزيع يبدو ثري جدا اضافة للوتريات والفلوت والباصون ايضا الة ثيربو مدونة للحن المصاحبة وهورن يعلن دخول تروجوالت.

لا يجب الاعتقاد أن محاولات تورجو ونورمبرج في الاوبرا الامانية كانت الوحيدة في هذا الوقت الشروط الرهيبة السائدة (حرب الثلاثين يوم كانت في المانيا9 من الطبيعي منعت هذا الفن الجديد ان يصبح راسخا. لذا يبدو مذهل انه بعد السلام بوقت قصير اخيرا حل على اوروبا الوسطى ازدهرت الحاية الحضارية مرة اخرى في كل الدول الالمانية ومعها تقليد الاوبرا شكل الفن الجديد الذي حصل اثناء هذا اعلى تقدير في ايطاليا.

واضح تماما انه بالاتفاق مع السمة الراقية الاصلية ازدهرت الاوبرا الالمانية في البداية في البلاط الملكي العظيم. عام 1631 اصبحت الاوبرا مؤسسة دائمة في البلاط الامبريالي في فيينا وتلتها ميونيخ سنة 1657 درسدن عام 1662 وهانوفر بعد هذا في الحال. كانت العروض رائعة وبها رفاهية فاقت بسهولة على البندقية. في بلاط هذه المدن الكبيرة سادت الاوبرا الايطالية من البداية وفيينا تولت دورا رائدا من الترويج لاوبرا البنقدية. سيستي الف "التفاحة الذهبية" لفيينا واستقر مؤقتا في المدينة الامبريالية على ضفاف الدانوب. حصته في تطوير الاوبرا الالمانية كانت مهملة حيث اقتصرت على الادماج في اعماله اغاني وأريات المانية احيانا غالبا كتبها الامبراطور ليوبولد الاول. نصوص الاوبرات كانت دائما بالايطالية وعادة قدمت ترجمة المانية لمساعدة الجمهور على فهمها


كان الأمر متروكا للقاعات الصغيرة مثل برونسويك وزنيفل وألتنبرج للترويج لقضية الأوبرا الألمانية وكان في هذه المراكز – إلى جانب لايبزج ونورمبرج وخاصة هامبرج – أن بدأت العروض الأوبرالية الألمانية. في برونسويك ترجع إلى 1639 في حين أنه عام 1690 افتتح دار الأوبرا العامة مع خمس مقصورات في الأسلوب الخاص بالبندقية. أي شخص يمكنه الدخول ودفع ثمن مقعد. في وقت الاحتفال يقال للدوق الذي أراد رؤية الأوبرا مستقرة اقتصاديا حضر على حسابه الخاص. عرضت العروض في المانيا. ضمن المؤلفين الألمان يوهان فيليب كريجر ورينهارد كايسر الذي بدأ مشواره في برونسويك وبالأخص جورج كاسبر شورمان لابد من ذكرهم لكن المؤلفين الإيطاليين دائما متاحون والموهبة الألمانية لا يمكنهم الطعن في السيادة الإيطالية على المدى الطويل. يوجد الكثير من المادة النسيجية التي نبني عليها أوبرا قومية، موضوعان من التاريخ الألماني والحياة استخدمت بتكرار لكن موسيقيا اعتمدت هذه الأوبرات دوما على النمط البندقي لسيسليانو والباركارول إضافة للأريا داكابو التي سرعان ما غطت على سواها. الاوبرات الإيطالية احتلت تدريجيا المزيد من البرامج وفي النهاية سرعان ما أكملت الأعمال الألمانية.

في كل انحاء ألمانيا الموقف شابه برونسفيك حين انحلت الأوبرا عام 1755. الاستثناء الكبير الوحيد كان هامبورج حيث استمرت دار الأوبرا الألمانية بمفردها بنجاح لأكثر من خمسين عاما.

في كل أنحاء ألمانيا كانت الأوبرا الإيطالية تتمتع بنجاحا هائلا. البلاط الفيناوي علق لنفسه كل الموسيقيين الرواد للمدرسة النابولية من سكارلاتي حتى تريتا خلال الحصول على التكليف منهم بكتابة أوبرات ودرسدن احتفظت بيوهان ا{ولف هاسة لمدة طويلة. هاسه كان ألماني بالمولد الذي كرم الإيطاليين عن حق كعضو عظيم في المدرسة النابولية وأطلق عليهم وصف الساكسوني العزيز. فقط كتب للنصوص الإيطالية ونمط التعبير الموسيقي هو الركوكو الإيطالي البحث، تحت حكمه كانت درسدن لسنوات طويلة أكثر نصير لامع للاوبرا النابولية. في ميونيخ وفي شتوتجارت حيث عمل جوميلي العظيم في بلاط كارل يوجين الذي يحب البذخ لم يكن الموقف مختلف.

في عام 1740 أخيرا حصلت برلين على دار اوبرا خاص بها، بناه فريدريك الكبير في ليندن. حقيقي أن المؤلفين الألمان أمثال كارل هاينريش جرون وجورج بندا والمطربين الألمان المشهورين أمثال مدام شيملنج عملوا هناك لكن التقليد الإيطالي حكم اللغة والموسيقى بالكامل منذ البداية. نفس الشيء حدث في كل البلدان الألمانية الأخرى وفي بلاط أصغر مثل بايرويت مثلا حيث شيد مسرح صغير ساحر استمر حتى يومنا هذا في شكله الأصلي. في كل مكان استشعرت الأوبرا النابولية ببريقها وسطحيتها وتركيزها على التأثيرات الخارجية.


محاولات لكتابة أوبرا ألمانية أيضا ازدهرت هنا وهناك في جنوب ألمانيا مثلا في دورلاتي في بادن حيث حاول كايسر إثبات نفسه اختفت منذ البدايةمع انهيار محاولة هامبرج، حظ الأوبرا الألمانية اختفى مؤقتا وتقريبا مر قرن قبل ظهور الأوبرا الألمانية الهامة بحق مرة أخرى.


هاندل والأوبرا الألمانية
من المدهش أنه في إنجلترا حيث في القرن السادس عشر وصل الأسلوب البوليفوني لذروته وحيث يتوقع من المرء أن يجد ارتباط محافظ لهذا التقليد الثري، أدخل الأسلوب المونودي الجديد في إيطاليا في الحال واكتسب شعبية بسرعة كبيرة. نسخ من بحث كاتشيني الأساسي، الموسيقى الجديدة يمكن إيجاده في إنجلترا. حتى قبل طباعته في 1602 وقبل بداية القرن كان الأسلوب الجديد له أثرا محفزا. في البداية لم يكن هناك تفكير في تأليف أوبرات كاملة لكن من الاغاني الصولو والأناشيد مع االرسيتاتيف والكورس تطورت المصاحبة الموسيقية المنودية للحفلات التنكرية القصيرة، التي تعتبر أول مراحل الشكل الأوضح للاوبرا. نحو منتصف القرن العديد من العروض الأوبرالية الهامة جرت في لندن بما في ذلك واحدة بعنوان زواج بريتانيا من المحيط لكن لسوء الحظ لم يتبقى شيء من موسيقى هذه الأمثلة الأولى من الأوبرا الإنجليزية.

في نحو نفس الوقت فرقة أوبرا من البندقية زارت إنجلترا وقدمت بعض العروض في البلاط الإنجليزي التي جددت الاهتمام في هذا الشكل الفني. التأثيرات الفرنسية أيضا زكت أثرها وذهب كامبرت الذي طرده لولي من باريس للعلم في لندن عام 1672 حيث مكث هناك حتى وفاته بعد ذلك بخمس سنواته.

هنري بورسيل
هنري بورسيل المعترف به كأول مؤلف إنجليزي هام قاد النهوض السريع للأوبرا في إنجلترا. أوبراه دايدو وأنييس تعتمد بقدر كبير على الكورس حيث تتبع الفلورنسيين اسلوبيا عكس الأسلوب السائد وقتها للأوبرا البندقية. كورس بورسيل قوي ومميز للغاية وأثره الدرامي في الغالب يؤثر على تطور الحبكة.

لسوء الحظ كانت دايدو وأنييس الأوبرا الوحيدة الأصلية لبورسيل رغم أن هذا المؤلف غزير الإنتاج كتب أكثر من أربعين عملا موسيقيا للمسرح بعضها مكثف بشدة حتى يمكن تقريبا تسميتها أوبرات مع حوار منطوق. على الأرجح أهم هذه كانت الملك آرثر التي كتبها جون درايدن والملكة الحورية الماخوذة عن حلم ليلة صيف لشكسبير.

وفاة بورسيل المبكرة وضعت حدا لهذه التطورات الهامة. كان شخصية فريدة لا يمكن إيجاد خليفة لها ولم يؤسس أي مدرسة مع وفاته توقف تطور الأوبرا القومية الإنجليزية مؤقتا.

 جورج فريدريك هاندل
بعد 15 سنة وصل جورج فريدريك هاندل في الساحة الموسيقية للندن، تطلعات نحو أوبرا قومية إنجليزية أغفلت بالفعل وهنا، مثلما في مكان آخر، أوبرا نابولية أصبح أعلى. كان ينطبق على العصر أن أكثر المعارف الطموحة على الأوبرا الإيطالية 
لابد شنها في لندن البطولية حول شخص المؤلف الألماني هاندل.


جاء هاندل إلى لندن عام 1710، وبعيدا عن بعض فترات الغياب القصيرة ظل هناك حتى وفاته. قدرته الإبداعية كانت دوما تعني بالأوبرا، ورغم تدريبه في هامبورج ورداء بورسيل الذي يمكنه توليه في لندن، هاندل ظل مخلصا للتقليد النابولي - حقا مع عبقريته، كان في أكثر أهم مناصر له. لم يكن هاندل مصلحا، كان راض أن يطور ويجيد أشكال التعبير الموجودة، وفي الكثير من أوبراته (كتب تقريبا 40 أوبرا إجمالا) نجد كل خواص النابوليين: نصوص لمايستوزو ومقلديه وافتتاحيات نموذجية وآريات داكابو. لكن الشكل الذي أصبح صارما بالتدريج في أيدي المؤلفين النابوليين الآخرين أصبح صارما في أيدي مؤلفين نابوليين آخرين، لاقى حماسا ونشاطا متجددا من هاندل حتى أن نمطية هذه الأوبرات التي كانت في الواقع لا تزال مجرد سلسلة آريات، أغفلت تماما. إحياء أوبرات مستقلة لهاندل، نصوصها على الأقل لحد ما تتفق مع الشروط الدرامية الحديثة، ثبت أنها جديرة. الروعة التي تميز الباروك التي تنتمي لشخصية هاندل مثلما لفنه، أضفت على أوبراته  هذا العنصر البطولي الذي يميز عظمته. عند التعبير عن الشغف الحقيقي والعواطف القوية، كتب ألحانا راقية لنبل مثير ومقنع.


شهير بشكل خاص آرياته ذات الآهات النبيلة واللارجو الساحر مثلا ما زال شهير "أوه دعني أبكي" من "رينالدو"، أول أوبرا له في لندن، أو حتى الآريا الأشهر ombra mai fu، المعروفة بشكل أفضل باسم "لارجو" هاندل، من أوبرا "سيرس"، التي منذ عرضها الأول دائما أسعدت الجماهير في حماس.

كان هاندل ناجحا بنفس القدر في تقديم تعبير موسيقى للمشاهد الساحرة للطبيعة في أوبراته. هذا الجانب من فنه أثار الإعجاب دون تحفظ لمعاصريه وما زال مبهرا اليوم. العقبات الوحيدة لإحياء العرض الحديث لأوبرات هاندل غالبا الليبريتو الغبي وغير المنطقي في الغالب (لكنه ليس أسوأ من بعض أوبرات فيردي) والنمطية الصارمة للشكل الكلي. إذا أراد المرء الاستمتاع بالموسيقى الرائعة لأقصى حد، لابد تناولها في إطار تاريخي في الذهن وتذكر أن مؤلفها طور بشكل رائع الأسلوب الفني لعصره.

متبعا نمط الأوبرا النابولية، الآيات تتبع بعضها في تلاحق قريب في "روديلندا"؛ الاستثناء هو دويتو غرامي عظيم في نهاية الفصل الثاني، وهي ذروة هامة في العمل دراميا وموسيقيا. الرسيتاتيف المتصل غالبا ذات قوة درامية هائلة. مشهد السجن، حيث يحافظ على السرعة الصادمة، مثال على البناء المبهر لعمل هاندل accompagnati. أشهر لحن كان غناه بيرتاريدو (أننت منزعجة؟ الموسيقى ستهدئك) التي أثارت الإثارة العنيفة حين غناها المخصي سنسينو.

يوجد تقريبا أحداث مفرطة في عمل "جيليو سيزار" والتغير المستمر للحظ في الحكاية مربك. ثراء الأحداث الدرامية يؤكده الرسيتاتيف ذو القوة المعبرة بشكل خاص، والمشاهد المتنوعة مشيدة بشكل مبهر. أجمل الآريات هي لكليوباترا، خاصة الآريا Tu la mia stella sei في زمن 6/8، الذي يغمره الإثارة، والأغنية الجميلة V'adoro, pupille التي تتميز بالسحر اللانهائي.

بعد عامين من عمل "جيليو سيزار" أصبح هاندل مواطنا إنجليزيا وأثناء العقد التالي تلت أوبرا الأخرى، بما في ذلك "أدمينو" و"سيرو" و"بارتينوب" و"إيزيو" و"أورلاندو" و"أرجودانتي" و"ألسينا".


في "ألسينا" القوة الدرامية لدى هاندل في ذروتها. الآريات قوية بشكل خاص والشخص الأساسي في الأوبرا الجادة أصبح من لحم ودم. أي إنتاج يتجاهل هذه الحقائق ويحاول تحويل "ألسينا" إلى تسلية غالية كما فعل زيفريلي في إنتاجه في لندن سنة 62، مصمم أصلا لجمهور إيطالي حديث، لا يفهم هاندل فعلا ويضره


بفضل هاندل، انتقلت لندن إلى مركز الحياة الموسيقية الأوروبية لعدة عقود. نتيجة وجوده، كان هناك أكثر المعارك العنيفة والحاسمة للسيادة بين الجراند أوبرا الإيطالية الجادة، والأوبرا الجادة والأوبرا كوميك – "الأوبرا الهزلية". وأصبح هاندل شهيرا ليس فقط كمؤلف أوبرالي لكن أيضا كمايسترو، وفي النهاية كمتعهد حفلات مستقل أيضا.


عام 1719 الأكاديمية الملكية الموسيقية (ليس المؤسسة التعليمية) لكن الاسم المقدم لمؤسسة أوبرالية دامت من 1720-1728 تأسست في لندن ودوامها مضمون باشتراكات ومعاهدات من الملك واعضاء الأرستقراطية. القيادة الفنية قدمت لهاندل، الذي ذهب لدرسدن وداسلدورف لتعيين فرقة مناسبة من المطربين الإيطاليين للموسم التالي. عكس الأكاديمية باريس، مع الطموحات القومية القوية، لا توجد هذه الأهداف في نظيرتها لندن. أراد هاندل أن يظهر اهالي لندن الأوبرا الإيطالية في امتيازها، ولهذه الغاية ركز على العروض الموسيقية المصقولة. لم يكن في أي مكان هذه الجدية وهذا الشعور العميق بالمسئولية الفنية ظهرت مثلما في لندن بقيادة هاندلبالنسبة للمشاهد كانت أوبرا بلاط فيينا لا تنافس في البحث عن الروعة رغم أن هذا حقق العجائب في هذا الاتجاه أيضا. لكن موسيقيا كانت مؤسسة هاندل لا تضاهى، وتضمنت فرق من أبرز المطربين الأوروبيين: كاتزوني وبوردوني والمخصى سنسيني وفارنيلي. كمؤلفها الأساسي هاندل عين جيوفاني بنونتشيني، الذي كان مشهورا بشكل خاص في إيطاليا، والذي كانت أوبراته بنفس شهرة أوبرات هاندل. لكن رغم هذا المجد المؤكد والنجاح الجماهيري العريض، أخطر عدو للأوبرا الجادة ظهر في لندن نفسها.

كان هناك نقد عام كثير بالفعل الأوبرا النابولية، وكان فقط أسهل من اللازم احتقار الإفراط السخيف لما كان هوس في الواضح. لكن حيث الكتابات مثل السخرية الشهيرة "المسرح التقليدي" التي كتبها عام 1720 بنديتو مارتشيللو، أضافت المزيد للشعبية من عدم استحسان الأوبرا التي سخروا منها، لم تسترد الأوبرا الجادة مكانتها أبدا بالكامل من الصدمة الموجهة لها من "أوبرا الشحاذ".


Wednesday, March 19, 2014

أصول وأول عشر سنوات في الأوبرا

أصول وأول عشر سنوات في الأوبرا
نحو سنة 1600 مجموعة من الفنانين الشباب والدارسين مشبعين بروح عصر النهضة اجتمعوا معا في فلورنسا لإحياء الدراما الكلاسيكية. لم يكونوا يعرفون أن أول محاولات لهم ستضع الأسس الحاسمة لشكل فني جديد سرعان ما ستبدأ تقدمها المنتصر خلال العالم الحضاري الغربي تحت اسم الأوبرا.

عرض أوبرا جاكوبو بيري "دافني" (فلورنسا 1597) هو علامة على الميلاد الحقيقي للأوبرا، رغم اقتراحات الدراما الموسيقية، الذي يمكن اعتباره أول تحرك للأوبرا، يمكن اكتشافه حتى قبل هذا، مثل في المسرحيات الغنائية للعصور الوسطى. أقدم مثال هو "روبن وماريون" لآدام دو لا هال التي بقيت منها عدة نسخ، ضمت رقصات غنائية قصيرة لتحي الحوار الجرئ. الفواصل أو الانترمتزي يقدم موضوعا رمزيا خفيفا أو أحيانا أكثر قضايا بين فصول المأساة قد يعتبر دراسات تمهيدية للأوبرا. كانت تعرض في القاعات في مناسبات الحفلات التنكرية أو المواكب المهيبة، وكانت ثرية في روعة الغرض والموسيقى. وإدخال الرقصات خاصة الموريسكا وهو باليه مغربي كان محبوبا. كانت الموسيقى تقتصر على تلك الرقصات المنعزلة، أو المقطوعات الآلية والكورالية التي صحبت العمل على المسرح، في حين نتكلم عن الحوار إن وجد. موسيقى أواخر العصور الوسطى كانت بوليفونية حصريا وفي الواقع الصولو نادرا ما نجده في الموسيقى الواضحة للإنترمتزو، رغم حدودها في المسرحيات الموسيقية الشائعة والأغاني.

البوليفونية الرائعة المعقدة هي ميزة لأواخر العصور الوسطى كمنريج جرئ من القبب في الكاتدرائية القوطية الرفيعة. سادت القداسات والموتيت وهي أشكال الموسيقى الغنائية الكنسية، الفن الجاد لكن إضافة لهم تطور المادريجال حيث كانت النصوص الدنيوية تلحن مع كل أدوات الكونترابنط. هنا يمكن للخيال الفني أن يطفو دون إعاقة من الحدود المفروضة بالكانتوس فيرامس، أو الترتيل الكورالي الجريجوري، الذي كان الأساس الضروري لكل تأليف ديني. المادريجال اضفى حيوية مبهجة أدت للمزيد من التعبير الموسيقي الشخصي الأقوى مما عرفنا من قبل. كان هذا النشاط الجديد عبر عنه في المبدأ الطبيعي الممزي الذي تضمن محاكاة نداءات الطيور وبوق الصيد والصياح والشجار وضجة المعارك.

في المادريجال كانت الموسيقى الجادة تقترب وحتى تمزج مع مجال الموسيقى الشعبية، لأن مؤلفي المادريجال يمكنهم تبني اللحن الشعبي الخام في صورة الكانتوس فيرماس وتحويله لعمل مهيب خلال إضافة الكونترابنط البوليفوني.

جوقة المادريجال دائما أدت الأجزاء المغناة في الفواصل أو الفصول الدرامية القصيرة المذكورة بالفعل، وحين تعبر البطلة على المسرح عن عذابها بالإشارة عبء يأسها يغنيه الكورس ليس على خشبة المسرح وليس عازف الصولو كما يبدو طبيعي لنا اليومالصولو يذكر بالأغنية الشعبية ولا يفهم في لحن خضع بقوة للانضباط الفني الرسمي. فقط نادرا جدا كان محاولة تمت لتعديل الشكل بجعل صوت لجزء واحد يغني والآخرون عزفوا الآلات. هذا يوضح أن الحافز للتطور موجود بالفعل في زمن كان التأليف الجاد متصل بصرامة بقواعد الكونتربنط لكن فقط قرب نهاية القرن السادس عشر حدث تغيير مع تقديم الجزء الصولو خاصة الرسيتاتيف أو السرد المغنى. كانت ثورة أسلوبية جريئة مهدت الطريق لأول صياغة وتطور للأوبرا.

مجموعة الفنانين والدارسين الذين اجتمعوا في منزل الكونت جيوفاني باردي المحب للفن في فلورنسا في نهاية القرن السادس عشر بهدف إحياء الدراما اليونانية تضمنوا فنسينزو جاليلي والد جاليليو والمؤلفون جيليو كاتشيني وجاكوبو بيري والشاعر أوتافيو رينوتشيني. قام بالمحاولات الأولى فنسينزو جاليلي الذي لحن جزء أجولينو من "الجحيم" لدانتي، ولاحقا "نعي جيرمي" للصوت الصولو مع حفل الفيول كمصاحبة. وزع كاتشيني سلسلة من الأغاني والسونيت للصوت الصولو ومصاحبة الثيربو ولاحقا نشرهم بعنوان "الموسيقى الجديدة". آخر الأمر سنة 1597 العرض الخالد لدافني حدث في منزل جاكوبو كورسو، وهو أرستقراطي من فلورنسا خلق باردي في هذه المجموعة النشطة من الفنانين في حضور "دون جيوفاني مديتشي" والمواطنين الرواد الآخرين في فلورنسا. كان أوتافيو رينوتشيني مؤلف النص، قصيدة رعوية بالأسلوب التقليدي للعصر، في حين كتب بيري وكاتشيني الموسيقى. عرضت المقطوعة عدة مرات بنجاح كبير لكن لسوء الحظ لم يبقى أي أثر من الموسيقى.

الأسلوب الحديث "الأسلوب الممثل" استخدم هنا للمرة الأولى في دراما كاملة حيث كان الابتكار الحاسم هو السرد المغنى أو الإلقاء الملحن، أساس الحوار الموسيقي الدرامي. هذا الأسلوب الجديد لا يشترك في شيء تقريبا مع السرد الغنائي لمسرحيات المعجزات، كما اقترحنا في الغالب. الإلقاء اللحني لا يحمل علاقة مع الترتيل الديني القديم والألحان ذات النغمة المنودية للتراتيل التي لا تتبع المحتوى الدرامي للكلمات الملحنة.

في 6 اكتوبر 1600 يوريدي وهي الأوبرا الثانية التي كتبها الثلاثي بيري-كاتشيني-رينوتشيني، عرضت في فلورنسا في حضور تجمع رائع من الجمهور، للاحتفال بزواج ماريا دي مديتشي والملك هنري الرابع من فرنسا. نجاحها كان غير مسبوق ووضعت كل حفلات الزواج الأخرى في ظلها. كتب بيري الموسيقى باستثناء فقرات عديدة لكاتشيني، لكن لاحقا أعاد كاتشيني كل الأوبرا والنسخة الجديدة عرضت في قصر بتس في 5 ديسمبر 1602. كلا العملين نجوا ويتماثلان بشدة في المشروع والتنفيذ، لكن مكان الشرف لابد أن يذهب لبيري، هو بالتأكيد أكثر جرأة وعبقرية في التفاصيل وثراء هارمونياته.

في مقدمته يتحدث يوريديس لبيري عن الصفات التي تقتصر على الأسلوب الجديد. يروي كيف درس أسلوب الناس في الكلام، حتى يتمكن من إعادة إصدارها بالضبط وكيف في بداية كل حديث، سيترك المتكلم الهارموني، ليعود إليه في النهاية، بعد الكثير من التنويعات التي تبعت وفقا لمعنى الكلمات. الإيقاع قد يتسارع في لحظات العاطفة ويتباطأ للأسف. هذه المعالجة كانت لها أصل في اعتقاد أن قدماء اليونان والرومان غنوا في كل الدراما واستخدموا الصولو وليس الكورس. الأوبرا بالتالي هي الابن الفعل لعصر النهضة. الإلقاء الملحن المعبر ليوريديس لديه مصاحبات آلية بالتآلفات خصص له بيري آلات سيمبالو وقيثارة وآلتي عود، النوتة المطبوعة لا تكشف عن كيفية استخدام هذه الآلات. فرض المصاحبة من الآلات المستقلة أصبحت تناسب المواقف المختلفة، ولابد للهارمونيات أن تكون شديدة القوة. في إحدى المراحل تم إدخال الثلاثي للفلوت وكل هذه الآليات اختبأت عن الجمهور وراء المناظر الطبيعية. كان اللقاء الملحن مميز ومعبر، التناغم الصاحب كان دائما جرئ وأحينا التنافر الضمني. التطور البنائي المبهر لهذه الموسيقى لا يمكن أن يخفف النمطية للمستمع الحديث، رغم أنه أحيانا تتم مقاطعته بشكل مبهج مثل الكورس "فلنغني ونرقص" ولحلقات للفلوتفي العرض الأول غنى بيري "أورفياس ويوريديس لفيتوريا أزشيلي، الذي اشتهر لأبعد من فلورنسا كمغني وعازف عود.

النقوش المعاصرة التي تمثل احتفالات البلاط توضح نوع إعداد المسرح المستخدم للأوبرات في ذلك الوقت. رفع المسرح وأحيط بإطار من القباب في حين شكلت الدرجات الواسعة نوعا من الشرفة المؤدية أسفل للمدرج. المناظر لهذه العروض الأوبرالية الأولى لابد أنها أكثر بدائية مما اعتاد الناس في الفواصل التي غالبا كانت تتعلق على نحو معقد لا يصدق بالجهاز الفني. تم تطبيق الدراما في مقدمة المسرح بما أن التأثير العميق للمشاهد مازال مجهولا في المسرح والتغييرات للعديد من المناظر في يوريديس حدثت دون وقفة، النزول في العالم السفلي مثلا لا يشير له حتى الريتورنيللو المختصر. التغير المفاجئ في المشاهد يمكن فقط شرحه بإنزال تصميم مطلبي أو ملابس مناسبة معلقة. المناظر الطبيعية الكلاسيكية على هذه التصاميم إضافة إلى أزياء الممثلين تمثل بالطبع تصور فنان الباروك للعالم القديم: المناظر الطبيعية المثلى مجهزة بمعمار الباروك.

مسرح الباروك هذا المزيج المميز بين الشعور القديم والمعاصر، له سحر كبير الملاحظ الحديث، وله سحر أكثر مباشرة من الشعر أو الموسيقى في هذا العصر. الحساسية الإيجابية والتفاؤل المبهج يظهر في هذا المزيج المثالي والمناظر الطبيعية والمعمار الخاص بالباروك وأزياء رعاة الغنم والخوذة مع الريش.

نجاح يوريديس رسخ الأوبرا كشكل فني. في الأربعين سنة التي تلت العرض الأول لدافني لبيري، أكثر من أربعين أوبرا تم إنتاجها في العدة بلدان الإيطالية الكبرى خاصة فلورنسا. إلى جانب هذا اشتقت الأوبرات الرعوية من شعر دينوتشيني، تطور شكل آخر مستقل وهو الأوبرا الرمزية. هذا اشتهر بشكل خاص في روما، المثال الأول هو Rappresentatione di Anima e di Corpo لإيمليو دو كافالييري، التي عرضت أول في روما عام 1600، لكلمات أجوستينو ماني. تمثل الشخصيات الأفكار، مثل الجسد أو الروح والذكاء أو السرور والقصة لها بعد أخلاقي مثل مسرحيات المعجزات في العصور الوسطى.

الاوبرات السحرية المزعومة كونت مجموعة ثالثة التي قد ينظر لها كتطور آخر للقرن السادس عشر يتخللها تأكيد على أثرها البصري. هذه الآن تحولت لأوبرات ذات نطاق كامل ببناء الحبكة وإدخال حوار الرسيتاتيف. في البلاط الإيطالي علقت اهمية كبرى دائما على المناظر على المسرح، وحتى الفنانون المهمون امثال ليوناردو دافنشي لم يشعرون بالفخر لبناء آلات معقدة للمسرح. مؤثرات خاصة مثل التحول المفاجئ في المناظر والآلات الطائرة والآلهة تحلق في السحب، كانت كلها مصممة لزيادة الاهتمام بالاوبرا. كان محتوم أن هذا النوع من الأوبرا اهتم كليا بالمشاهد الخارجية ينبغي أن يصبح تافه موسيقيا. اهمية الديكور ايضا كان في الاوبرا الرعوية والرمزية وفي الواقع صار جزء لا يتجزأ من الأوبرا خلال مراحل تطورها.


هذه المرحلة الأولى من الأوبرا تعرف عامة بالأوبرا الفلورنسية أو الكورالية بما أن الكورس أهم بكثير مما كان في فترات لاحقة. أهم عمل لهذا العصر بلا شك هو "أورفيو" لمونتفردي. ولد كلوديو مونتفردي في كريمونا عام 1567 وتوفي في البندقية عام 1643. من 1604 حتى 1613 عاش في مانتوا وعمل موسيقيا في بلاط دوق جونزاجا. كان مونتفردي أول مؤلف عبقري يكتب موسيقى للأوبرا. الليبريتو لأوبرا أورفيو كتبه أليساندرو ستيرجيو. عكس رينوتشيني لم يستخدم ستريجيو الأسطورة الكلاسيكية بالكامل؛ فأورفياس لا يطيع أمر بلوتو بعدم النظر ليوريديس في طريق خروجه من الجحيم، وبذلك يخسر حبيبته مرة ثانية. في السنوات الأخيرة استخدمت أسطورة أورفياس عدة مرات في أعمال المسرح الحديث ولحنها ماليبرو وكرينيك وكاسيلا.

كانت موسيقى مونتفردي تتميز بالسحر الفريد، وأثرها القوي المباشر يتكون أساسا من الكورس والفقرات الآلية القصيرة. الكورس يصمم فنيا بتسلسل الفوجة يحيي تصميمها. النمط الهارموني مهيب لكن متنوع. بعض الكورس مثل "آه أيها المصير المرير" الذي يتبع أخبار المرسال رائع حقا. الرسيتاتيف حي بالقوة الدرامية والتنويعات اللحنية الجديدة تفهم باستمرار خاصة في الحلقة الرعوية في نهاية القرن كان هناك 14 مسرح في البندقية خصص منها أكثر من النصف وفي الواقع اكبرها وأروعها حصريا للأوبرا.

مسرح الأوبرا في البندقية
كان مسرح أوبرا البندقية محاط تقريبا كليا بالمقصورات. نوع المسرح المعتاد في بلاط عصر النهضة أفسح المجال لثلاثة أو أربعة صفوف من الصناديق، وفي حين المقاعد المخصصة للأمراء وضيوفهم المميزين كانت في المقدمة، الآن تركت بعض الأماكن لعامة الشعب. ثمن المقعد في المدرج كان منخفض لذا لأسباب مالية كانت أجرة المقصورة أعلى. الطبقات العليا في المجتمع كانت حريصة على حجز مقصورة في المسرح، التي تم تناقلها من جيل لجيل. لهؤلاء الرعاة كانت الأوبرا مناسبة فنيا وتقليد. الشغف بالموسيقى تم تناقله حتى أن أسرة جيرماني بنت تياترو سان جيوفاني كريسوتومو ولعدة عقود صادرت عروضها كليا من جيبها الخاص. خلال جيلين صارت الأوبرا تسلية لكل تعداد إيطاليا فعليا.



في البداية كانت العروض تقدم فقط خلال فترة الكرنفال التي استغرقت ثلاثة أشهر من الكريسماس حتى نهاية مارس. لكن لاحقا أضيف موسم الخريف 3 أشهر. خلال كل واحد من هذه المواسم عرضت نفس الأوبرا كل ليلة لذا كل الجمهور سواء في المقصورة أو في المقاعد استمع لنفس العمل مرارا – وهي عادة تقتصر على جمهور رواد الأوبرا الإيطالي. محب الأوبرا الإيطالية دائما اظهر اكبر اهتمام بطريقة عرض الأوبرات. يريد معرفة كل التفاصيل واختراق كل إشارة خاصة للعروض المستقلة وعلى ما يبدو استعياب الإثارة التي لا تنتهي المقدمة من العمل مرارا وتكرارا إلى أن يعرفه من الداخل للخارج. هذا الشرح الوحيد لنمطية برامج الحفلات. من جهة أخرى برنامج الحفلات الحديث مع إعادة عرض الأعمال الناجحة في سلسلة متناوبة غير موجود عادة الأوبرا تغفل كليا بعد موسم واحد فقط وفقط نادر جدا يعاد إحياء عمل ناجح بشكل خاص في العام التالي. حين يتكرر عرض الأوبرا في بلدة أخرى غالبا فقط الليبرتو كما هو يكتب الموسيقى المايسترو المحلي الذي وضع في الاعتبار قدرات مطربيه.


عكس الأوبرا الكورالية الفلورنسية، ركزت الأوبرات البندقية بشكل بحت عن العازفين الصولو. الصولو الماهرون كانوا محبوبين للغاية حتى أن مشاركة الكورس كانت في الواقع تبدو عيب. ربما الاعتبارات الاقتصادية لعبت دورا في هذا التطور، فثمن الحفاظ على الكورس كان كبيرا أيا كان السبب في الأوبرا البندقية تضائل دور الكورس أكثر فأكثر إلى أن اختفى تقريبا بالكامل. المطربون الرواء لاقوا المدح بشدة وبعد البريما دونا أو السوبرانو أو الأولتو من الخصيان الذي كانت يتقاضى أجرا عاليا، في حين الأدوار الصغيرة فقط خصصت لأصوات الذكور الأخرى. استخدام الخصيان في الأوبرا نتج أول الأمر عن نقص الأصوات النسائية المدربة بشكل مناسب والحظر المتكرر على النساء اللاتي يشاركن في العروض الأوبرالية حتى أن الخصيان من جوقة الكنائس لابد أن يطالبون بغناء أدوار النساء. هذا الترتيب سرعان ما أصبح عادة وآخر الأمر أصبح نقطة عالية في التقاليد.

في حين ذهبت الرسوم العليا للمطربين الجيدين الذين حصلوا على ألف دوقات للموسم تقاضى المؤلف فقط 100 دوقة على موسيقاه – رغم أنه قد يحصل على مبلغ صغير زائد كعازف هاربسكورد أول. لكن مؤلف الليبريتو لم يحصل على أي مبلغ على الإطلاق، وعليه الرضا عن شرف عرض أعماله. حين أصبحت العادة للكلمات أن تطبع، حصل على عائدات المبيعات. لذا طباعة مدونات النوتة توقفت في البندقية لكن ليس فلورنسا وهذا يوضح سبب نجاة القليل من الأعمال نسبيا من الإنتاج الثري لأوبرات البندقية. في الستين عاما التي سادت خلالها الأوبرا البندقية، أكثر من 300 أوبرا أنتجت في البندقية، ونحو العدد نفسه في بلدان أخرى في إيطاليا وفرنسا وألمانيا لذا يبدو مرجح أنه على الأقل 600 عمل كتابتها وإنتاجها بالأسلوب الأوبرالي في البندقية.

دور الأوبرا في البندقية تياترو سان كسيانو وتياترو سان أبولييز وغيرها (أخذت المسارح أسمائها من الإبرشية التي شيدت بها) اعتبرت لحن هذه الأوبرا غير جذاب – يمثل صورة خشنة لتقاليد روما الخاصة بنيرون لكن تمثل تطور استثنائي في الموسيقى لكن فيها يوجد العنصر اللحني يقاطعه الرسيتاتيف الطويل المعبر والحيوي والمميز والتحديد في هذه الأوبرا هو اتخاذ التقنية البوليفونية للموسيقى الكنسية وفقرات الاتباع والفوجة دائما تستخدم والباص ثم معالجته بحرية حتى يخسر عدم مرونته الجامدة. الباص أوستناتو وهو تنويع الباص المستمر كان أداة موسيقية مفضلة هنا. أعظم سحر للعمل يكمن في الحلقات الميلودية مثل الديوتو الرومانسي البسيط والمؤثر الذي يحضر الأوبرا للنهاية.

مونتفردي
رغم أنه تقدمي بالطبيعة ومتاح للأفكار الجديدة ظل مونتفردي مخلصا للتقليد، وبالأخص الرستياتيف الردامي. قدم التنازلات الأكيدة في النص فكان بوزينسيلو الأكثر محافظة بين كل كتاب الليبريتو في البندقية. الموضوع وأسلوب الليبريتو الأوبرالي تغير بشدة وقتها ورغم ما زالت الألحان القديمة تستخدم اختفى اللحن الباسترولي القديم قبل ذلك بوقت طويل. الشخصيات والأحداث الجديدة من الماضي الحديث في عصر النهضة سادت العاطفة المشتعلة والغيرة لدى النساء الان في الساحة كلها تتنكر في زي كلاسيكي.


الخيانة والخطف والقتل والتآمر والمكائد في الواقع أكثر المغامرات المبالغ فيها انكشفت الواحدة تلو الأخرى دون أي سؤال لموقف أخلاقي او وعظي. الحياة رخيصة في هذه الأوبرات لكن الآثار المذهلة والمواقف الدرامية بشدة غالبا زاخرة. الألحان المتكررة هي استحضار (ظلال الموتى) مشاهد الحلم الرائع للأرواح المعذبة والدويتات اليائسة للمحبين الذين افترقوا إلخ. أيضا ينطبق على الأسلوب البندقي للأوبرا كان استخدام شخصيات كوميدية في تطور الحبكة. هذه الكائنات السعيدة عادة الخدم ما زالوا يحملون أسماءا قديمة لكن حس الدعابة الوقح والطبيعة الجيدة ظهرت دون خطأ في الكوميديا ديلارتي. العنصر الهزلي كان تنازل لذوق الجمهور بالتالي أسهم بشدة في نجاح الاوبرا وتمهيد الطريق للاوبرا الهزلية.

المؤلفون الموسيقيون الأساسيون للاوبرا في البندقية كانوا كفاللي وسيستي. قدم فرانسيسكو كفاللي عناصر شائعة في عدة أوبرات. ألحانه الغنائية في الغالب لها مازورة 2/3 مثلا الباركارول التي صارت جزءا لا يتجزأ من الاوبرا البندقية واحضرت لكفاللي اكبر شعبية حققها. رغم هذا العنصر الشعبي كان لعمله الكرامة والعناية الحقيقية الدرامية. كان الرسيتاتيف اهم له من الكانزونة الذي قدمه فقط حيث لم يزعج تطور الحبكة. اهم اوبرا لكفاللي هي جيسون البندقية لكن للاحتفال بزواج لويس الرابع عشر من ماريا تريزا من النمسا في باريس ف كتب “هرقل واقع في الحب” التي لم تعرض حتى 1662 ولم تحقق نجاحا كبيرا.


كانت هذه الأوبرا الوحيدة التي كتبها كفاللي لباريس وكتب لولي الموسيقي لأعمال الباليه المصاحبة.

سيستي
مارك أنطونيو سيستي هو الممثل الأساسي للاتجاه الشعبي المتعمد. أدخل هو وأتباعه الألحان بالكامل في المقدمة وقاطعوا جزافا العمل من أجل الأغاني القصيرة غالبا في معظم النقاط غير المناسبة. كان الرسيتاتيف مهمل تماما خشية إرهاق الجمهور. الوحدة الدرامية التي سعى لها مؤلفون موسيقيون سابقون تم التضحية بها للتراوح المستمر للأغاني الشعبية، الرسيتاتيف القصير والفقرات الماهرة المزخرفة. النتيجة مسلية جدا رغم أنها مزيج مشكوك فيها فنيا من الأساليب التي ربما مبررة بنجاحها.

كان سيستي مؤلف موسيقي غزير الإنتاج بشكل استثنائي. ضمن أوبراته كتب أكثر من 150 أهمها لا دوري التي سرعان ما صارت محبوبة في كل أنحاء إيطاليا. أشهر عمل له هو "التفاحة الذهبية" التي تروي قصة باريس وهيلين. كتب لفيينا حيث عرض إما في ديسمبر 1666 أو في أوائل 1667 حيث كان رائعا وحقق نجاحا بارزا حتى أنه تكرر للعام كله. كانت هذه من أوائل الأوبرات التي كتبت لمناسبة ملكية – زواج الإمبراطور ليوبولد الأول من مارجريتا أميرة اسبانيا.



سيستي كان كاتبا رائعا للألحان، كان في أفضل حالاته عند التعبير عن العواطف الرقيقة في الاحلام والاماني وعند رسم مشاهد مبهجةفي مدارس الغناء في البندقية ونابولي وبولونيا كورس الدراسة دام من عشر ل12 سنة. يصعب تقدير الكم الذي يتوقع من المغني في هذه الفترة من جهة أخرى السلطة والتعبير من جهة اخرى طلاقة نتصورها والوفرة والمجال الصوتي الواسع مع الاعتدال خلال درجة الصوت. التعليم الكامل في النظرية الموسيقية مكنت المطرب على الأقل من الارتجال للكادنزة والكلوراتورا بالأسلوب الصحيح وبالطبع التحكم في نفس المطرب الماهر وقراءة النوتة والتدريب الدرامي والغناء كان جزءا من هذا التعليم

كانت البريمادونا والكاستراتي يتوقع منهم المهارة في الأداء. فكروا أن يمكنهم الابتعاد عن أي شيء بما أن رغباتهم يتم الالتزام بها عام. قرروا أي الآريات ينبغي الغناء والتي تحذف أو يحل محلها آريات أخرى حاولوها بالفعل في أوبرات سابقة لا يمكن للمؤلف عمل شيء سوء الانحناء لنزواته. تروي حكاية عن هاندل وقف ضد رغبات البريما دونا وهو أمر لا يقارن ولم نسمع عنه في ذلك الوقت. فرانسيسكا كاتزوني أشهر مطربة في عصرها رفضت غناء الآريا التي كتبها هاندل لدخولها في
عند وصولها الاول في لسند سنة 1722 هذه المطربة ظنت انه يمكنها أن تساير خيالها وضايقت هاندل كثيرا حتى أنه فقد سيطرته على نفسه بالكامل واهتز من الغضب فأمسك يدها وشدا ودلى بها خارج النافذة حيث هدد بإلقاءها منها إذا لم تفعل ما يامرها به. ايضا كاتزوني تمادت حتى انها تجاوزت في لكم آذان خصمتها، المرطبة الشهيرة فاوستينا بوروني على المسرح المفتوح حيث نشأ الشجار بانتظامالإدارة المسرحية لم تملك أي سلطة على هذا السلوك الفظ من البريما دونا: الكاستراتو العظيم فارنيلي عانق بحماس زميله كافريلي على المسرح فقط لأنه تمتع بشدة بالآريا التي غناها. الأوبرا نفسها كانت غير مهمة، فقط الغناء والمغنين هم من يهم، والرسوم التي تلقاها المخلوقات الموقرة كانت عالية جدا، فارنيللي على سبيل المثال، تلقى 50 ألف فرانك بعد سنة من طلب الملك الأسباني فيليب الخامس أن يغني له 4 آريات كل يوم وأحضر كافيريلي لنفسه دوقية من مدخراته.

كانت الأوبرات مصممة لتناسب المطربين. الآريا داكابو التي تتطلب براعة في الأداء كانت الشكل التقليدي المحدد وبالتالي ظهرت في كل مشهد وعند دخول كل مغني سواء كان مناسبا أم لا للسياق. بهذه الطريقة أصبحت أعمال الأوبرا مجرد مجموعات للآريات، الرسيتاتيف أخيرا اختفى وأصبح المؤلفون ببساطة كتاب للأغاني ليس أكثر مما كان متوقع منهم. هذا الشكل الجديد للاوبرا سادته الأريا كان ينطبق على المدرسة النابولية وفي هذا الشكل حققت الأوبرا تقدمها بانتصار في كل أنحاء أوروبا.

الأوبرا النابولية
كان أبو الأوبرا النابولية هو أليساندرو سكارلاتي. الجمع الحساس بين الآريا والرسيتاتيف في اعماله الأولى اوضح أنه ما زال يعي المدرسة البنقدية للاوبرا في حين انه في اعماله اللاحقة اظهر تفضيلا واضحا للاوبرا داكابو. العلامات الاساسية لاسلوب سكارلاتي كانت من جهة المحتىوى الدرامي لالحانه مع تفضيل للفواصل الكبيرة والسرعة الكبيرة ومن جهة أخرى الاستخدام الذي قام به للاغاني الشعبية والايقاعات لمرء آرياته الاخف برشاقة مهذبة. الاغاني النابولية الشائعة ظهرت بانتظام في الاوبرا من الان فصاعدا واسهمت بشدة نحو زيادة شعبيتها.

الاوبرا الاولي لسكرلاتي Gli Equivoci Nel Sembiante أنتجت في روما حين كان عمره 19 فقط لذا ابرهم الملكة كرستينا السويدية حتى انها اصبحت راعيتهابرع عمل له Mitridate Eupatore احيانا يعاد عرضه اليوم مثلما في الاوبرا كوميك الوحيدة له "انتصار الشرف" إجمالا كتب 115 اوبرا بقي منها 70.

في نابولي كان ليوناردو فنجي وجيوفاني باتيستا بيرجيلوزي كانا مع سكارلاتي الممثلين الاساسيين للاوبرا الجديدة لكن يوجد ايضا مايسترو ايطالي في كل المراكز الموسيقية في اوروبا التي ساهمت في تطور مجد وروعة الاوبرا النابولية. اهمهم كان نيكولو جوميلي وتوماسو تراتا وجيوفاني بي بنونتشيني لكن شهتهم ابهمت نوعا ما بنجاح الالمانيين هاندل وهاس الذين لابد اعتبارهم ممثلين مهمين للمدرسة النابولية. الاوبرات لهؤلاء ثلاثة مؤلفين الايطاليين تم إعادة احياءها في ايطاليا مؤخرا


رغم المدلولات الواضحة لبدايات الاوبرا القومية في فرنسا وإنجلترا وألمانيا في هذا العصر دامت سيادة النابوليين لعدة عقود وسيادة الإيطاليين لم تضاهى لأكثر من قرن. قبل ذلك بوقت طويل ترسخت الأوبرا النابولية بانتصار في كل المراكز الاوروبية في اوروبا بشكل أو آخر تمت محاولات هامة في ألمانيا وفرنسا وانجلترا لتكون اوبرا وطنية واكبر نجاح في هذا الاتجاه حققه الفرنسيون. ومثير للدهشة أن الاوبرا الكورالية الفلورنسية لم تلاقي اي رد فعل على الاطلاق في باريس هذا غريب لان يوربيس ليبري عرضت في حفل زواج الامير والاميرة الفرنسيين في فلورنسا وكاتب الليبريتو رينوتشيني تبع الملكة الشابة لباريس حيث مكث لثلاثة اعوام. تقريبا بعد خمسين عاما شهدت باريس اول اوبرا ايطالية لها la finta pazza هي ثاني اوبرا ايطالية في باريس عرضت اوبرا مجهولة في القصر الملكي في فبراير أو مارس نفس العام. قدمت اوبرا سكراتي في ديسمبر 1645. كلا العملين كانوا بالاسلوب البندقي لكنها لم تترك اي انطباع واضح وفقط الديكور وىلات المسرح اثارث الدهشة. مسرحية xerse لكفالي عانت من مصير مشابه سنة 1660 وعمله ercole armante التي ذكرت بالفعل كانت اقل نجاحا لكن رغم ان هذه العروض لم تترك اي اثر ملحوظ فانها اثارت طموح الفرنسيين لابتكار المقابل للاوبرا الايطالية


من الواضح أن الوقت أصبح مناسبا لاقامة اوبرا وطنية في باريس. الدراما الكلاسيكية الفرنسية في اندي كونيل وراسين كانت في افضل ايامها ووجدت نظيرها الكوميدي الساحر في المسرحيات الكوميدية لموليير حتى كانت الدراما الشعرية الفرنسية على مستوى اعلى من الليبريتو الاوبرالي للبندقيين. كانت الظروف الموسيقية ايضا مواتية جدا في البلاط الفرنسي: في بداية القرن السابع عشر قدمت موسيقى البلاط بالفعل خلال اوركسترا الوتريات المكونة من 24 الة عرضت في كل المناسبات في البلاط الملكي خاصة الباليه-البانتومايم. هذه العروض البانتومايم مثل الفواصل الايطالية كانت موجودة بالفعل في البلاط الفرنسي في القرن ال16. لم تتكون فقط من مجموعة رقصات لكن ضمت حبكة كاملة مصورة بالتمثيل الصامت. إدخال الباليه في الاوبرا بدأ تقليد ساد المسرح الموسيقي الفرنسي لعدة قرون.

كان لويس الرابع عشر معجب بشكل خاص بالاوبرا والباليه. سنة 1669 منح المؤلف روبرت كامبيرت وكاتب الليبريتو الخاص به بيرين الموافقة لبناء دار اوبرا حيث تعرض العروض الجماهيرية والرسوم تتم للدخول. سنة 1671 الاكاديمية الملكية الموسيقية افتتحت بعرض اوبرا بومون لكامبير وبيرين. هذا العمل حقق نجاحا في الحال وعرض امام الجماهير المتحمسة لثمانية اشهر. لكنه سنة 1672 سحب الامتياز للاوبرا الفرنسية وقدم الى جان بابتيست لولي فلورنسي المولد بدا مشواره الفني بالعمل كخادم في المطبخ ثم اصبح عازف كمان وراقص باليه ولاحقا قائد اوركسترا الاوبرا انتهت بسلطة مطلقة في مجال الموسيقي التي حصلت على احتكار الاوبرا.

كان طموح لولي هو ابتكار اوبرا وطنية فرنسية وجد شريكا جيدا في فيليب كينو وهو شاعر من مدرسة كورنيل الذي عرف كيف يبتكر شكل اوبرالي يتفق مع طموح لولي. رغم ان هذا النوع من الاوبرا قام بشكل واعي على النمط الايطالي من الواضح انه كان مشرب بروح وتقليد فرنسي. كانت الموضوعات مثلما في الاوبرات البندقية – الأساطير القديمة وملاحم عصر النهضة. البطولية والحب هي المحور التي دارت حولها كل الحبكات باستمرار لكن في حين انه في الاوبرا البندقية كانت الشخصيات الكلاسيكية مجرد قناع يخفي الشخصيات الايطالية للحاضر أو الماضي القريب سعى كينو واتباعه لاحياء الروح والمثل الكلاسيكية. هذه الروح اضفت على الليبريتو صلاحية دائمة حتى ان جلوك بعد قرن لم يخجل من استخدام "أرميد" لكينو مرة اخرى.

الاندماج مع الباليه القومي التقليدي ساعد في تحديد اسلوب وتخطيط الاوبرا القومية الفرنسية. ادمج لولي مشاهد راقصة أو مواكب كبيرة ورائعة كلما امكن بالتالي راقت ليس فقط للذوق الشعبي لكن الملك نفسه الذي وجدها ممتعة بشكل خاص واحيانا حتى شارك في هذه الرقصات مع البلاط الخاص به. هذه الصلة بالباليه توضح كذلك عدد المشاهد والمواكب الرائعة والاغاني الريفية السعيدة والحفلات التنكرية الرائعة والجنيات والحوريات والستير إلخ، التي اصبحت الان عناصر هامة في حبكة الاوبرا. موسيقيا احضر الباليه دافع قوي جدا للموسيقى: فموسيقى الباليه ومعها الايقاعات الراقصة والاغنيات الشعبية منحت الاوبرا تشابه مع الماساة الكلاسيكية.



الطبيعية المرهقة للشعر الفرنسي كانت عقبة حقيقية للتطور الحر للرسيتاتيف ايضا عانى المطربون من الاحراج المؤقت وعدم الخبرة فاسلوب الرسيتاتيف في حين اوضح الجمهور كره للرسيتاتيف الطويل. لذا كان لولي يفرط في استخدامه ويدمج اريا في كل فرصة ممكنة. ارياته بسيطة لكن مبهرة جدا في خطها اللحني، ومماثلتها لالحان شعبيته منحتهم خفة كبيرة. صفة هامة لموسيقى لولي هي تكرار اي لحن خالد بشكل خاص، ليس مجرد تكرار لكن تطوير في مشهد لاحق وهو صورة تمهد للايتموتيف (اللحن الدال).


الادوات الاوركسترالية للولي كانت اكبر بكثير من الاوبرا البندقية. اعتمدت على قسم الوتريات الذي كان كاملا بالفعل الذي اضاف له الات مثل الهاربسكورد والهارب والفلوت والاوبوا والباصون والترومبت والهورن والتمباني. مع اوركسترا ثري بهذه الدرجة تمكن لولي من اصدار مؤثرات صوتية مجهولة مثل مجموعات الوتريات الكبرى والاستخدام الانيق لالات النفخ – في الغالب كصولو – واستخدام الات نفخ نحاسية كاملة لترسم مشاهد حربية. الفقرات الالية المستقلة الكثيرة حققت تغييرا طبيعيا بشان تغير في التوزيع الاوركسترالي. بعيدا عن الرقصات مثل الكورانت والجليارد والمنويت والجافوت موجود في السيمفونيات الافتتاحية التي يظهر فيها اسلوب لولي الالي بوضوح شديد. هذه المقطوعات الاوركسترالية التي سماها لولي بالفعل افتتاحيات كانت من ثلاثة اجزاء: المقدمة بطيئة، الجزء الاوسط سريع في القالب في شكل فوجة، والقسم الاخير بطئ. القسم الاول مهيب صحب في الاصل دخول البلاط في حين لفت الانتباه الجزء الاليجرو السريع لهذا للافعال الملونة على المسرح. الافتتاحية الحديثة تطورت من هذا الشكل الفرنسي مع الشكل بطئ-سريع-بطئ (عكس الافتتاحية الإيطالية التي كانت سريع-بطئ-سريع) مع حذف القسم الاخير.

من بين ال19 اوبرا التي كتبها لولي السيست وثيسيه وارميد تعتبر روائعه وظلوا في برنامج حفلات اوبرا باريس لنحو مائة سنة. سر النجاح غير العادي للولي يكمن في تلونه المثير للاعجاب. كرس نفسه كليا لنجاح عمله، وفقط حين ناسب شروطه المثالية ان بدا يؤلف الموسيقى. حتى انه تاكد ان الديكور من جودة عالية، حتى اصغر تفصيل اهتم بادق التفاصيل الفنية واشرف على اعداد الثياب. ليس فقط تولى شخصيا الاعداد الموسيقي لكن ايضا عمل منتجا ومصمم رقصات. عمل دون كل مع مع المطربين والراقصين من حقق كل تفصيل في العمل. تماما مثلما تصوره.



النوقش المعاصرة تشهد بوضوح على المعيار الفني العالي للتصميم الفرنسي في زمن لولي. اضافة الى المنظر الرائع من القصور والشوارع بالاسلوب الايطالي المطلية ببراعة، المناظر الطبيعية الجميلة كانت سمة مميزة من المناظر الطبيعية للمسرح الفرنسي. كانت الازياء جذابة باستثناء: الشخصية النموذجية للباليه مع الخصر وثياب الباليه التي ظهرت اصلا هنا. الازدهار السريع واللامع للاوبرا الفرنسية ترجع فوق كل شيء الى رعاية لويس الرابع عشر. ضمن الامور الاخرى امر الملك ان كل الاعمال التي عرضت في الاكاديمية ستطبع على حساب الدولة وبهذه الطريقة تم حفظ كل الاوبرات الفرنسية الهامة في هذا العصر


أتباع لولي في أول الأمر تمسكوا بأسلوبه في عبودية. تطور موسيقى الآلات في الأوبرا التي بدأت ضمن أتباع لولي كانت ذات أهمية عامة كبيرة حيث أدت لرسم النغمات التي تميز الموسيقى الفرنسية. من الأغاني التي تشبه المادريجال لجانكان الذي توفي نحو 1560 مع وصفها للطبيعة ومعاركها ومن موسيقى الكلافسان التي لها عناوين ذات برنامج خلال شعر البيانو لشوبان والموسيقى ذات البرنامج لبرليوز وانطباعية ديبوسي والمدرسة التعبيرية الطبيعية الفنية لهونيجير، الرسم اللحني يدور دون كلل خلال الموسيقى الفرنسية. بدأت بصور من الطبيعة لتصحب الآريات والكورس ومع فقرات آلية مستقلة، المشاهد الرعوية والجنة والموسيقية مع الفلوت ومحاكاة صورة الطيور كانت محبوبة بشكل خاص. أتباع لولي حاولوا أيضا تمثيل الطبيعة في الحركة. المؤلف الموسيقي مارين ماريز يقال أنه سافر لشاطئ البحر للغرض الوحيد للبحث عن الإلهام لتأليف العاصفة في البحر. من حينها تكررت المشاهد من العاصفة كفواصل آلية في الأوبرا في كل من فرنسا وفي مكان آخر.

ضمن خلفاء لولي أهم ممثل لهذا الاتجاه كان أندري ديتو لكن أنجح بكثير منه كان خصمه أندريه كامبرا الذي أصبح عمله "الأعياد البندقية" واحدا من أعظم انتصارات الأكاديمية هذه كانت سلسلة خمس مسرحيات من فصل واحد، تذكر بالفاصل الإيطالي، حيث يوجد المزيد من الرقص من الغناء. المشهد كان في البندقية وكل شيء أشار للمدينة للكارنفال والأوبرا والباركارول حتى نجد الروح وشكل الموسيقي الإيطالية هنا في الأوبرا الفرنسية. الموسيقى الإيطالية كانت تصبح بالتدريج أكثر شعبية في باريس في هذا الوقت. فرقة أوبرا إيطالية جاءت لباريس عام 1708 في زيارة نجحت في ترسيخ نفسها في انتصار في أسنان الأكاديمية خاصة حين بدأ الإيطاليون يحاكون الأوبرا الفرنسية. المتذوقون هنا مثلما في أي مكان آخر ذهبوا للمعسكر الإيطالي مع الأعلام وهي تطير حتى فقدت الأوبرا الفرنسية التي أيضا هددت بالكارثة المالية أهميتها على الأقل مؤقتا إذا لم تجد مساعد ومروج في موعده في جان فيليب رامو.


رامو كان معاصر باخ وهاندل وكليا مساوي لهم في اوجه معينة. ذهب في تاريخ الموسيقى كمؤسس النظرية الحديثة للهارموني واهميته التاريخية في هذا المجال ستظل دون تحديتكمن عظمته وأهميته أساسا في المجال الدرامي الجاد ووصلت ذروتها في الأوبرات التراجيدية كاستور وبولاكس وزوروستر. كاستور وبولاكي تمتعت بعدة إحياء لعروضها في الربع الأخير من القرن في حين Les Indes Glanates I أعيدت لبرامج الحفلات في أوبرا باريس بنجاح ملحوظ سنة 1952 حيث تلقت أكثر من 200 عرض أثناء العشر سنوات التالية.

الميزة الأساسية لرامو كانت تحسين اللغة الموسيقية في كل جانب. لمسته البارعة ملحوظة في كل مكان – في ثراء الهارموني تطور البوليفوني إحياء الإيقاع وتكثيف الميلودي. كان مع النظام موسيقى الباروك وابتكر مكانها تنوع جديد أنيق للتعبير الموسيقي. حين كان نجاح الأوبرا النابولية دون نزاع في كل أنحاء أوروبا أوبرا باريس رغم أحاطتها من الأعداء وباستمرار لاقت الهجوم والاحتقار وقفت لعدة عقود كبطلة تقليد عظيم وهو تقليد لحد ما أصبح قديم لكن اشترك فيه جلوك مع إصلاحاته في الوقت المناسب.